ثانياً: القطاع الخاص في ظل الحماية
أكدت الحماية قبل الحرب العالمية الثانية، تستهدف حماية الصناعة في الدول المتقدمة من بعضها. فيما قامت الحماية في الدول النامية كرد من بعضها، وبالذات في أمريكة اللاتينية، على التطورات التي حدقت في الاقتصاد الدولي: الأزمة الاقتصادية في الثلاثينيات، تصاعد سياسة الحماية في الدول الصناعية مثل قانون Smoot-howly لعام 1930 في الولايات المتحدة، ومن ثم انخفاض الطلب على المواد الأولية من الدول النامية وتناقص أسعارها- وهو ما يسمى بتدهور شروط التبادل-، إضافة إلى اضطرابات التبادل التجاري نفسه التي ترتبت على قيام الحرب العالمية الثانية. وكان الرد متمثلاً منذ بداية الأربعينيات بتنمية الصناعة لديها، موجهة إلى السوق الداخلية لتحل محل الاستيراد، وضماناً لتطورها كان لا بد من الحماية. ثم جاء Prebisch ليعطي الأساس النظري لهذه السياسات، مؤكداً أن السياسة الاقتصادية في دول أمريكة اللاتينية يجب أن تصاغ، بحيث تواجه العقبات الخارجية التي تحول دون نموها والمترتبة على علاقة التبعية وعدم التكافؤ بين دول المركز في الشمال المتقدم وبين دول التخوم النامية في الجنوب المتخلف. والتصنيع المحمي هو السبيل إلى ذلك، وهذا هو الأساس لنظرية الإحلال محل الواردات وما تستوجبه من حماية وهي السياسة التي انتهجتها سورية منذ ستينيات القرن العشرين.
ولا بد بداية من التعرف على دور القطاع الخاص إجمالاً في الاقتصاد الكلي من خلال الإحصاءات الخاص بتكوين رأس المال الثابت والاستثمار والتجارة الخارجية ودوره في قطاع الصناعة التحويلية تحديداً.
2 - 1. في الاستثمار
• فقد حققت زيادة استثمارات القطاع الخاص، بالنسبة لسنة 1991، وبفضل قانون الاستثمار رقم /10/، طفرة كبيرة خلال الفترة 1992-1995. إذ وصلت هذه الزيادة ذروتها في عام 1994 بنسبة 62% وعام 1995 بنسبة 58.5%. ومنذئذٍ بدأت هذه النسبة بالانخفاض، لتصل عام 1996 إلى 12% وعام 1997 إلى 14%، وذلك بعد أن تناقص حجم الاستثمار بالنسبة لعام 1994 بمعدل 10% عام 1996 وبحوالي 30% عامي 1997 و1998.
• واتجهت نسبة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الاستثمار ذات الاتجاه. فبعد أن كانت هذه الاستثمارات تشكل حوالي ثلثي الإجمالي –أي ضعف استثمارات القطاع العام- عامي 1992 و1993. عادت هذه النسبة إلى الانحدار عام 1996 حيث بلغت 52%. واستمر هذا الانحدار ليصل إلى ما يزيد قليلاً عن 40% عامي 1997 و1998.
• ولا شك أن التناقص، في حجم استثمار القطاع الخاص، ونسبة مساهمته، يعكس حالة عدم اليقين التي اجتاحت المستثمرين من القطاع الخاص بسبب سوء تطبيق قانون الاستثمار رقم /10/، خاصة في تصاعد العقبات البيروقراطية التي تتمثل في التعدد غير المبرر للجهات الوصائية وتبعثرها المكاني والتماهل المجهد للمستثمر. واختلاف الإدارات في تفسير النصوص، مما يفرض عليه تكرار المراجعات، بما يعنيه من مضاعفة الوقت اللازم للإنجاز مرات ومرات وتفاقم قدرة الإدارات على ابتزاز المستثمر، وما ينطوي عليه ذلك كله، من تزايد التكلفة بنسبة عالية للحصول على الخدمات الضرورية لتشغيل منشآته من طرق وكهرباء ومياه وهاتف، وبالتالي من تبديد قاهر للجهد والمال.
2 – 2. مؤشرات التجارة الخارجية
• يعاني الميزان التجاري السوري عامة عجزاً كبيراً، وصل بالرغم من صادرات النفط إلى 35% عام 1991، وظل في حدود 25% في الأعوام 1993 و1996 و1998، ويظل عام 1997 استثناء إذ انخفض هذا العجز إلى 3% فقط بحكم انخفاض الواردات بمعدل 25% بالنسبة للسنة التي سبقتها. وإذا ما وضعنا الصادرات النفطية جانباً تفاقم هذا العجز ليبلغ بالمتوسط الثلثين، إذ بلغ أقصاه عام 1996 بنسبة 73% وأدناه في العام الذي يليه بنسبة 57%.
• وقد بدأت استيرادات القطاع الخاص بالتزايد منذ عام 1992 (حيث ازدادت بمعدل الضعف عن عام 1991)، وتصاعدت هذه الزيادة مقارنة بـ 1992، خاصة عامي 1994 و1996، إذ بلغت 56% و51% على التوالي، لتنخفض عام 1997 إلى 29%، أما نسبة مساهمة استيراد القطاع الخاص في إجمالي الاستيراد السوري فقد ظلت خلال الفترة 1992-1996 في حدود 63% لترتفع إلى 70% في العامين 1997 و1998.
• أما صادرات القطاع الخاص فقد بدأت بالتزايد بعد عام 1992 –التي نتخذها سنة الأساس-. إذ بلغت هذه النسبة ذروتها عام 1994 لتصل إلى 85% مقارنة بالسنة المذكورة و72% عام 1995. إلا أن نسبة هذه الزيادة بدأت بالانحدار منذ عام 1996 إذ انخفضت إلى 38% وإلى 25% عام 1997. بل انحدرت عام 1998 إلى مستوى سنة الأساس تقريباً. ومن جهة أخرى ازدادت حصة القطاع الخاص من إجمالي الصادرات السورية بدون النفط الخام من 53% عام 1992 إلى حوالي 62% بالمتوسط خلال الفترة 1993-1996 علماً بأنها ارتفعت إلى حوالي 70% عام 1994، لتنخفض عامي 1997 و1998 إلى حوالي 48%.
• على أن تغطية صادرات القطاع الخاص لوارداته اقتصرت على معدل بحدود 30% خلال الأعوام 1992 و1993 و1997 ارتفع إلى 36.5% بالمتوسط أثناء الفترة 1994-1996 لينخفض عام 1998 إلى 25%. أي أن العجز في الميزان التجاري للقطاع الخاص تراوح خلال الفترة 1992-1998 بين 62.5% (1996) و75% (1998).
2 – 3. في الصناعة التحويلية
• على الرغم من القفزة التي حققها الاستثمار الخاص في قطاع الصناعة عام 1996 إذ تضاعف رأس المال المستثمر حوالي مرتين ونصف عما كان عليه الحال في عام 1995، إلا أنه بدأ بالتراجع منذئذٍ فانخفض الاستثمار الصناعي عام 1997 بمعدل 9% وبمعدل 70% عام 1998 عما كان عليه الحال عام 1996.
ومن جهة أخرى لم تتجاوز المشاريع الصناعية التي نفذت فعلاً في ظل قانون الاستثمار رقم /10/ حتى نهاية عام 1998، 196 مشروعاً برأسمال يقارب 24.5 مليار ل.س. خلقت 8185 فرصة عمل. وهي أرقام لا تمثل بالنسبة للمشاريع المشملة أكثر من 21% من عدد المشاريع و6.5% من رأس المال و10.3% من عدد العمالة.
• بلغت نسبة مساهمة القطاع الخاص في قيمة إنتاج قطاع الصناعة التحويلية حوالي النصف في عامي 1994 و1995، ارتفعت إلى 55% عام 1996 و57% عام 1997. وفي الوقت الذي تزايدت فيه القيمة المضافة التي ينتجها القطاع الخاص الصناعي بنسبة 45% عام 1996 و69% عام 1997 عما كانت عليه عام 1995 فإن نسبة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي القيمة المضافة لقطاع الصناعة التحويلية قد ارتفعت من 52.5% عام 1995 إلى حوالي 62% وحوالي 73% عام 1997.
• يشكو الميزان التجاري لقطاع الصناعة التحويلية (أي نسبة تغطية صادراته إلى وارداته) من عجز يبلغ بالمتوسط خلال الفترة 1995-1998 حوالي 77.7%. إذ بينما انخفضت مستورداته خلال الفترة ذاتها بنسبة 20% فقد هبطت صادراته بمعدل 33%. وعلى الرغم من انخفاض استيرادات القطاع الخاص، بالمقارنة مع عام 1995، بنسبة 12% عام 1997 و7% عام 1998، فإن حصته من إجمالي استيراد قطاع الصناعة التحويلية قد ارتفعت من 63% عام 1994 إلى 74% عام 1998.
• أما صادرات القطاع الخاص الصناعي فقد أخذت مسار الانخفاض بعد عام 1995، إذ انخفضت عام 1996 بمعدل 32% عن العام المذكور ثم بمعدل 43% تقريباً في العامين 1997 و1998. كما تضاءلت حصته خلال الفترة ذاتها من إجمالي الصادرات الصناعية من 71$% إلى 60%. ومن جهة أخرى فقد انحدر أيضاً معدل تغطية صادراته لوارداته من 30% عام 1995 إلى حوالي 19% في الأعوام الثلاثة اللاحقة 1996-1998. أي أن عجز الميزان التجاري للقطاع الخاص الصناعي بلغ 81% خلال الفترة الأخيرة المذكورة.